الجمعة، 1 أكتوبر 2010

تركيا الإسلامية, والحرب المرتقبة مع إسرائيل




اعترفت دراسة عبرية حديثة صادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني بانهيار تام للعلاقات الاستراتيجية بين تركيا و"إسرائيل" ووصولها إلى أدنى مستوياتها عقب حادث الاعتداء على أسطول الحرية الذى كان يهدف لكسر الحصار البحري المفروض على قطاع غزة، مشددة على أن هذا الحادث وضع النهاية لمسلسل الحلف الاستراتيجي بين أنقرة وتل أبيب، وأنه كان مجرد نهاية لذوبان جبل الجليد بين البلدين.
وأكد مُعد الدراسة الخبير الاستراتيجي الصهيوني (عوديد عيران) على أن الانهيار السريع للعلاقات الثنائية بين البلدين يشير إلى وجود تغيير عميق فى توجهات السياسة التركية، وقد أسهم فى هذا التغيير عدة عوامل، من بينها الجذور الأيديولوجية ذات الطابع الإسلامي لحزب العدالة والتنمية التركي، والإحباط التركي من إمكانية الانضمام للإتحاد الاوربي، وعدم حدوث تقدم فى المفاوضات فى هذا الشأن، هذه العوامل كانت كفيلة بأن تغير تركيا وجهتها، وتقوم فى المقابل بتعزيز علاقاتها مع جاراتها.
وأشار عيران إلى أن هذا التغير التركي، تحدث عنه وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو فى كتابه "العمق الاستراتيجي"، وآخرون من كبار المسئولين والمفكرين الأتراك، على الرغم من استبعادهم لإمكانية العودة للخلافة العثمانية التركية. ومع ذلك يرى معد الدراسة أن التغييرات التى تشهدها الساحة التركية حالياً تحمل بين طياتها بوادر لحدوث اصطدام مستقبلي بين تركيا وكل من "إسرائيل"، والاتحاد الأوربي، والولايات المتحدة الامريكية.





تركيا وتحسين العلاقات مع الجيران



وترى الدراسة العبرية أن التغيير فى السياسة التركية يتجسد بوضوح فى تحسين علاقاتها مع سوريا وإيران، وفى سبيل ذلك وضعت أنقرة كافة خلافاتها معهما جانباً، سواء النزاعات بسبب أزمة مياه محافظة هآطاي، ودعم الأكراد، فقد عززت تركيا علاقاتها بسوريا، ونفذا مناورات عسكرية مشتركة، فى شهر أبريل من العام الماضي، وتبادل رؤساء البلدين الزيارات. وحسب الدراسة فإن هذا التغيير التركي كان بالنسبة لإسرائيل بمثابة فرصة ومشكلة فى آن واحد. فبعد حرب لبنان الثانية، وعندما وافق رئيس الوزراء "الإسرائيلي" فى ذاك الوقت، إيهود أولمرت على استئناف مفاوضات السلام مع سوريا، لعبت تركيا دور الوسيط بين دمشق وتل أبيب، بعد رفض واشنطن القيام بهذا الدور، وهو ما عزز من الموقف الإقليمي لتركيا، وجعلها تشعر بمكانتها كدولة رائدة فى المنطقة.
وتابع الكاتب بأن المفاوضات السورية - "الإسرائيلية" التي كانت تتم تحت الرعاية التركية توقفت مع قيام "إسرائيل" بشن عدوانها على قطاع غزة، وظلت الاتصالات متوقفة على هذا المسار حتى جاءت حكومة بنيامين نتنياهو وجمدته تماماً. مستبعداً أن يتم استئناف المفاوضات بين الجانبين إلا بمبادرة مشتركة بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تصر "إسرائيل" على أن تكون واشنطن هى الوسيط بينها وبين سوريا، بينما ترى الأخيرة أن تكون أنقرة هى الوسيط الرئيس.
أما المرحلة الجديدة من العلاقات بين بين تركيا وإيران، فهي مرتبطة أيضا بالنزاع السوري "الإسرائيلي".
فقد أصبح الحوار البناء بين البلدين مصدراً للقلق الكبير بالنسبة لإسرائيل، وللدول الأعضاء فى حلف الناتو.




مخطط صهيوني لتوريط تركيا



وفي محاولة لتقليب الغرب وتحريضه ضد تركيا، زعم معد الدراسة ضلوع تركيا فى تهريب السلاح من إيران لحزب الله فى لبنان، حتى قبل تولي حزب الرفاة مقاليد الحكم في أنقرة، من خلال استخدام مجالها الجوي. وقال: إن "إسرائيل" سعت فى المقابل إلى تذليل كافة العواقب من أجل دعم العلاقات العسكرية بين أنقرة وتل أبيب، وأن الأخيرة غضت الطرف عن تورط تركيا الواضح والعلني فى تهريب السلاح لحزب الله.
وأضاف أن البرنامج النووي الإيراني كان عاملاً مؤثراً فى تدهور العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، وأن ذلك انعكس من خلال اللقاء التليفزيوني الذى أجراه رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، فى 29 مارس 2010 والذي دافع فيه عن إيران، مندداً بالعقوبات المفروضة عليها، ووصفها بأنها بلا نتائج، حيث تم فرضها قبل ذلك، وأن المطلوب حالياً هو الدبلوماسية فقط لحل الأزمة الإيرانية، وتساءل أليس الدول التى تمارس الضغوط على إيران، هى دول نووية فى الأساس؟! .



أردوغان وكراهيته "لإسرئيل"

واعترف معد الدراسة بأن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يعد السياسي التركي الأكبر الذي يوجه انتقادات حادة ضد "إسرائيل"، وأنه لا يمر أسبوع واحد دون أن يدلي بتصريح يدين فيه الممارسات "الإسرائيلية"، وأن السبب فى ذلك هو أيديولوجياته وجذوره الإسلامية العميقة.
كما رصدت الدراسة العبرية الأسباب التى توضح لماذا أظهر أردوغان حقده وكراهيته لـ "إسرائيل"، منها أسباب شخصية تتعلق بزيارة رئيس الوزراء "الإسرائيلي" السابق إيهود أولمرت لأردوغان فى تركيا قبيل تنفيذ العدوان على قطاع غزة بسويعات. وهو ما جعل أردوغان يشعر بالقلق الشديد من إمكانية ان يُتِخذ عنه انطباع بأنه كان يعلم بأمر العدوان قبل تنفيذه. كما كانت تركيا أول دولة تفتح أبوابها أمام قادة حماس فى قطاع غزة عقب فوزهم فى انتخابات يناير 2006، وفى العام نفسه التقى أردوغان خالد مشعل القيادي بالحركة.
وربما كان رد الفعل "الإسرائيلي" الضعيف على هذه اللقاءات - على حد زعم معد الدراسة - حفاظاً منها على العلاقات الاستراتيجية والعسكرية مع تركيا، كان سبباً فى تمادي الأخيرة للعمل ضد "إسرائيل".
 وكان الحال أيضاً مع صمتها على الدور الكبير الذى كان يساهم به أردوغان فى منظمة "صندوق المساعدات الإنسانية" وهى المنظمة المسئولة عن قافلة شريان الحياة لقطاع غزة.
وفى محاولة صهيونية مفضوحة لتشوية صورته زعمت الدراسة العبرية بأنه لا يمكن تفسير رد فعل أردوغان على العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة بأنه كان بسبب غضبه من معاناة إخوانه المسلمين فى غزة، بل بسبب دمج جذوره الأيديولوجية مع الدور الجديد الذي تتطلع تركيا إلى القيام به فى الشرق الأوسط... وإذا ما كان هذا هو الوضع فيمكن لإسرائيل أن تصالح أردوغان بأقل مجهود ممكن، وهو ما ثبتت الأيام عكسه حتى الآن .







الجيش التركي "كلمة السر"

وربط الكاتب "الإسرائيلي" استمرار الأزمة الحالية بين البلدين ومواصلة التعاون العسكري المشترك بينهما بمدى تراجع وضع ومكانة الجيش التركي... مشيراً إلى أن اعتقال عدد من القادة العسكريين الأتراك فى فبراير 2010 - من بينهم قادة كانوا مسئولين عن المناورات المشتركة السابقة بين تركيا و"إسرائيل" - يأتي كجزء من الحملة المستمرة التى تقودها حكومة أردوغان الحالية لوضع حد لدور الجيش، المنوط به الحفاظ على تراث كمال أتاتورك مؤسس الدولة العلمانية التركية.
فيما يرى عدد من المراقبين أن الضغوط التى مارسها أردوغان على الاتحاد الأوروبي للبدء في مفاوضات انضمام بلاده للاتحاد الأوربي، كوسيلة للاستعانة به لإلغاء الدور المركزي والتقليدي للجيش فى الحياة السياسية التركية، وفرض سيطرته الكاملة على السلطات المدنية، تأتي فى إطار سياسة "أقل مشاكل" التي ابتدعها وزير الخارجية أوغلو والتى تهدف إلى تقليص دور الجيش أكثر وأكثر، وتعتمد على تحسين العلاقات مع الجيران الذين توجد معهم مشاكل، مثل أرمينيا، إيران، سوريا وأيضاً مع الأكراد.
وبعد أن كانت المؤسسة العسكرية في تركيا عنصر رئيس في تشجيع التعاون العسكري بين تركيا و"إسرائيل"، ففي ظل المناخ السياسي الحالي فى تركيا، توقعت الدراسة العبرية الصادرة عن مركز أبحاث الأمن القومي الصهيوني بأن يشهد التعاون فى هذا المجال تراجعاً ملحوظاً، وأن الجيش التركي لن يسعى لتعزيز علاقاته العسكرية مع "إسرائيل". مستشهدة بما قاله أردوغان، عندما سُئِل عن الاتفاقيات الموقعة بين بلاده و"إسرائيل"، خاصة فى المجال الأمني، فكان رده أن تلك الاتفاقيات تم توقيعها فى الماضي، ولا زالت سارية المفعول، وأضاف: "صحيح أنه لا يجب أن تؤثر الإجراءات التى نتخذها، لكن قد تقع أحداث تجعلنا نتبنى مواقف أخرى".
كما توقع معد الدراسة عدم استمرار التعاون العسكري والأمني بين تركيا و"اسرائيل" بنفس الشكل الذي كان عليه قبل 2008، على الرغم من الاستقبال الحافل لوزير الدفاع الصهيوني فى أنقرة فى شهر يناير 2010... لكن سلاح الطيران "الإسرائيلي" أدرك مبكراً التغييرات على الموقف التركي، ونقل تدريباته لليونان، كبديل لإسرائيل بدلاً من المجال الجوي التركي.
كما لم يستبعد إمكانية قيام تركيا بصفتها عضو فى حلف الناتو لتقليص تعاون المنظمة مع "إسرائيل".









تركيا وعلاقاتها الخارجية



كما توقع الكاتب الصهيوني تأثر العلاقات بين تركيا و"إسرائيل" بعلاقات تركيا سواء مع الولايات المتحدة الأمريكية أو مع الاتحاد الأوروبي... فتركيا ترى أن انضمامها للاتحاد الأوروبي معناه اتخاذها لقرارات صعبة تتعلق بقضايا داخلية، ومادام أنها لم تنضم له بعد، فهى ليست ملزمة باتخاذ تلك القرارات، منوهاً إلى أنه بالرغم من أن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي قد يضيف صوتًا معارضًا بشدة تجاه "إسرائيل" للدول المعارضة لها داخل الاتحاد الأوروبي، لكن هذا السيناريو سيكون أقل ضرراً – بالنسبة لإسرائيل - من انضمام تركيا لائتلاف يشمل سوريا وإيران ومنظمات أخرى مثل حماس وحزب الله.







البحث عن علاقات بديلة

وفى ختام دراسته دعا الخبير الاستراتيجي عوديد عيران إلى ضرورة إيجاد علاقات بديلة للعلاقات العسكرية بين تركيا و"إسرائيل"، مشيراً إلى العلاقات الاقتصادية، وبخاصة فى مجال الطاقة، لاسيما وأن تركيا أصبحت بسرعة عنصر رئيس في مجال الطاقة، وبالأخص فى مجال الغاز الطبيعي، سواء كدولة مستهلكة أو كمصدرة، لذا ستكون "إسرائيل" مهتمة بالتعاون فى هذا المجال مع تركيا، كما سيكون مجال المياه مجالاً آخر للتعاون بين البلدين.



وأنهى الخبير الصهيوني دراسته بنتائج وتوصيات لتقديمها للحكومة الصهيونية لتعيد تقييم علاقاتها مع أنقرة، أجملها فى النقاط التالية :



- هناك أدلة كافية تبرهن على أن إسرائيل فقدت بالفعل تركيا، تحت قيادة حزب العدالة والتنمية، كشريك استراتيجي.



- تغيير السياسة الخارجية والإقليمية لتركيا سيزيد من حدة التوترات بين البلدين.



- أية تغييرات فى الميزان الاستراتيجي بمنطقة الشرق الأوسط يجب أن تكون عنصراً ثابتًا في الحوار الاستراتيجي بين "إسرائيل" ودول حلف الناتو، لأن مصالح الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية معاً ربما ستتعارض مع التطلعات التركية فى المنطقة.



- يتعين على إسرائيل عدم الانجرار وراء الاستفزازات المعلنة من جانب تركيا، أو عدم رفض أية مبادرات رسمية من جانب الحكومة التركية.... حتى ولو حدث أي رفض يجب أن يكون عبر القنوات الدبلوماسية، وليس على الملأ.



- رئيس الوزراء التركي الحالي أردوغان سوف يسعى لاستغلال أي عمل تقوم به "إسرائيل" من أجل خدمة شعبيته فى الشارع التركي، وليس هناك داع لإسرائيل لكي تقوم بتقديم هذه الخدمة له.



- من المستبعد أن تحدث الانتخابات العامة التركية المقرر لها فى شهر نوفمبر 2010 تغييراً في السياسة التركية وسيطرة حزب العدالة الاجتماعية، وأن أي عمل تقوم به "إسرائيل" لن يكون له تأثير فى نتائج تلك الانتخابات.



- فوز حزب العدالة فى الانتخابات التركية القادمة، قد يحدث تشويشًا في علاقات تركيا بحلفائها التقليديين، وسيؤدي إلى حدوث تغيير واضح فى التوازن الاستراتيجي بالشرق الأوسط. هذا الوضع قد يتطلب وجود ردود إستراتيجية عديدة، من بينها تشكيل تكتل "جنوبي" للدول التى ستشعر بالقلق من تكون محو راديكالي "شمالي" يضم إيران، وتركيا وسوريا.



إجمالاً نؤكد على أن العلاقات الاستراتيجية بين أنقرة وتل أبيب، قد شهدت بالفعل تغيرات جذرية تحول دون عودة تلك العلاقات لسابق عهدها، وبخاصة فى ظل وجود مؤشرات تؤكد على استمرار حزب التنمية والعدالة الإسلامي التركي سيطرته على البرلمان ومواصلة أردوغان العمل فى منصبه كرئيس للوزراء.
لذا فمن غير المستبعد أن يواصل الكيان الصهيوني العمل خلال الفترة القادمة ضد تركيا فى المحافل الدولية كافة وبكل الوسائل المشروعة منها وغير المشروعة، فى محاولة للضغط عليها لإعادة العلاقات الاستراتيجية بينهما كما كانت فى الماضي، لتجنب أية احتمالات لنشوب حرب مستقبلية محتملة بينهما.



د. سامح عباس
مفكرة الإســـلام

ليست هناك تعليقات: