الأحد، 12 سبتمبر 2010

باكستان وفلسطين....بين القوة الناعمة, والعقول القاسية





الفيضانات التي ضربت باكستان هي مأساة إنسانية بكل المعايير، ستعاني منها المناطق المتضررة لسنوات مقبلة كي تعيد توطين البشر واستعادة البنية التحتية وإعادة إعمار القري والمدن.
تساءلت عما قدمته مصر فعرفت من الجرائد أننا أرسلنا طائرتين من جهة سيادية في إطار العلاقات الخارجية للدولة.
 نقابة الأطباء بها لجنة للإغاثة نشطت وتحركت بجهود وإمكانات محدودة وبعض الجمعيات الأهلية تلقت إشارات سلبية من وزارة الخارجية أن هناك اعتراضاً من الحكومة الباكستانية علي استقبال جمعيات إغاثة ذات هوية إسلامية..خوفاً من الإرهاب(!)
الجمعيات الإغاثية الأمريكية كانت من أوائل البارزين علي الساحة، في حين تم وضع العراقيل أمام الجمعيات العربية والإسلامية، والتي لم تتحرك بالقوة المطلوبة لأسباب ربما سياسية، وربما تحت أعذار من الصعب قبولها.
بعض الدول العربية علي الجانب الآخر قدمت تبرعات تصل لخمسة ملايين دولار (وهو ما يمكن أن يخرج من جيب رجل أعمال واحد وليس دولة رابضة علي حقول نفط غنية).. ثم أعلنت مؤسسة ساويرس عن دعم نقابة الأطباء وبرنامج الأمم المتحدة للغذاء لإرسال معونات.
لم أفهم موقف الدولة المصرية التي تراجع دورها الخارجي في دوائرها الإسلامية والأفريقية بدرجة مخزية حتي أوقعنا ذلك في مشكلات أخطرها تعثر المفاوضات حول حصة مصر في مياه النيل، ويبدو أن القيادة المصرية لم تعد تبالي إلا بالسفر إلي السواحل الشمالية من المتوسط ولا يهمها التوجه جنوباً أو التوجه شرقاً.
لقد كدنا نفقد الأمل في وجود رجل رشيد في النظام المصري يدافع عن مفهوم القوة الصلبة، لكن ماذا عن القوة الناعمة؟.
الدور الثقافي والتعليمي لمصر تضاءل، والدور الريادي في المجال العربي تآكل، فلماذا نضحي حتي بالدور المعنوي الذي يمكن أن نلعبه في لحظات الأزمات والكوارث وهي فرص متنامية تتيحها أزمات البيئة المتصاعدة في العالم في عصرنا هذا.
فإن قيل إن الدولة إمكاناتها لا تسمح سوي بإرسال طائرتين بمواد إغاثة فلماذا لا تدعم الدولة -وبقوة- الجمعيات الإغاثية المحلية التي يمكنها في أيام قليلة جمع الملايين من الناس الذين أدمت قلوبهم أخبار الكارثة في باكستان، وإذا قيل إن هناك حساسيات سياسية فلماذا لا تقف الدولة - بعزم وإصرار- وراء مشاركة الجمعيات الأهلية ذات الخبرة في هذا المجال والتي رفعت اسم مصر في كوارث سابقة بمشاركات جادة وملموسة؟ من الذي يتولي هذا الملف في النظام المصري وكيف يمكن أن نخاطبه نحن الناس - الشعب - البشر في مصر المحروسة؟.
سألت عن إمكانية مخاطبة جهة «ما» فقيل لي لا تعرضي نفسك للسجن، فالجهات السيادية من هذا النوع محظور مخاطبتها أو حتي ذكرها في الصحافة تصريحاً، فقلت لماذا لا أحاول إذاً... تلميحاً.
لكن السؤال الذي يؤرقني وأنا أقف أصلي صلاة القيام كل ليلة في رمضان وأسجد علي الأرض فأتذكر أن إخواننا في باكستان لا يجدون أرضاً يسجدون عليها بل الماء ثم الماء ثم الماء، السؤال الذي يؤرقني هو من أين تكتسب هذه الجهات السيادية شرعيتها؟ أليس من الناس-الشعب- البشر الذين هم نحن السكان الأصليون لهذه الأرض ؟ الدولة نفسها كيان يستمد سيادته وسلطته من الناس بزعم القدرة علي حمايتهم ورعايتهم وتوفير الحاجات الأساسية والحماية لهم.
هذا كان العقد السياسي والاجتماعي الذي بموجبه نشأت الدولة القومية القطرية الحديثة، فلا هي تمكنت من الحماية ولا الرعاية بل نشطت في الجباية والقمع.
واليوم لا نستطيع أن نضمن حين نخرج من بيوتنا أن نعود، ولا نضمن أننا لو عدنا سنجد الكهرباء، أو الماء، ولا نضمن لو وجدناهما أن نحظي بالأمن في بيوتنا من أن يطرق بابها طارق غير مرغوب فيه تحت مظلة قانون الطوارئ (وقريباً قانون مكافحة الإرهاب ).
ولست أفهم كيف لا يمكن لأي مواطن أياً كانت خلفيته أن يخاطب أي جهة ما في الدولة بمحض كونه مواطناً وبمحض كونها دولته التي تستمد كل شرعيتها من هذا المواطن والذي يليه والذي يليه أي من الشعب..الذي هو مجموع هؤلاء المواطنين.
فإن قيل إن هناك مجالس نيابية فلن أقول إنها غير شرعية في مجملها لأسباب تتعلق بألعاب الحواة التي يمارسها النظام وترزية القوانين، ورحم الله كمال خالد المحامي الوفدي الذي ناضل في أكثر من جولة للطعن في شرعية مجلس الشعب، ولن أتحدث عن تزوير الانتخابات ولا عن مصادرة البدائل أمام الناخب، ولا عن لعبة إعادة توصيف الدوائر الانتخابية، بل سأقول فقط إن أي كيان نيابي لا يحرمني حقي الأصيل كمواطن في التصرف في رأس مالي السياسي والاجتماعي والأخلاقي.
لذا فإنني سأظل أسأل هذه الأسئلة وأسجد لله وأدعو أن يلهم رجلاً ما في وزارة أو كيان سيادي ما قليل من الرشد كي يدرك أن دعم الجمعيات الإغاثية المصرية ودورها في فلسطين وباكستان أو حتي موزمبيق يصب في حماية الأمن القومي المصري بالمعني العميق.... آآآمين.

ليست هناك تعليقات: