السبت، 31 يوليو 2010

صورة مبكية...من غزة الصامدة

باتت أحلام الشاب يوسف البالغ من العمر 22 عاما بأن يصبح مهندسا من الماضي بعد أن خطف صاروخ من طائرة استطلاع جبانة بصره في حرب الفرقان الأخيرة، حيث كان طالبا في قسم الهندسة الصناعية بالجامعة الإسلامية حين إصابته.

إلا أن يوسف رسم صورة صمود مدادها العطاء والثبات على طريق ذات الشوكة متعاليا على جراح نالت من بصره لكنها لم تنل من عزيمته في مواصلة الجهاد ومقارعة المحتل .

وكونه صاحب همة عالية وهدف سام لم يتخلف عن ميدان الجهاد رغم رفع الإسلام عنه وأمثاله الحرج ، فمضى يوسف ممتشقا سلاحه جنبا إلى جنب يشارك إخوانه في كتائب القسام ثواب الجهاد وأجره .


إصرار على مواصلة الدرب


وفي مسير عسكري نفذته كتائب القسام بمدينة رفح حيث جاب المجاهدون شوارع مدينة رفح سيرا على الأقدام لمسافة تقارب الثمانية عشر كيلو متر لم يكن يوسف غائبا عن المشهد ، فخرج يرافقهم مسيرهم يعلي اسمه وسط جموع المجاهدين بتغبير قدميه في سبيل الله .

ويؤكد مجاهدو القسام رفاق يوسف على إصراره أن يواصل الجهاد رغم إصابته البالغة في عينيه وفقدانه للبصر تماما ، مشددين على أن معنوياته العالية تمثل لديهم تشجيعا وتقوية لعزيمتهم عندما يرونه معهم جنبا لجنب يتحامل على نفسه ويتناسى المشقة لئلا يفوته شرف الجهاد.

ومن الجدير ذكره أن يوسف تزوج عقب إصابته بشهور تاركا رسالة واضحة إلى العدو الصهيوني مفادها إذا قتلت فينا الحياة فالحياة نملكها بعزمنا ، وإنا جند لا نهاب الردى فطريقنا طويل وإن متنا بالشهادة فذكرنا سينجب المجاهدين .

هي قصة بطلها مجاهد قسامي تروي أن رجال القسام وهبوا أنفسهم لله فلم تقصهم عن حياة العزة نوائب الزمان، ولن يفت من عزمهم تطاول الظالمين ، فالنور خلف العتمة يختبئ، وأشد ساعات الليل حلكة التي تسبق الفجر .

ربما تمر حروفها سريعة إلا أن طياتها تعبق بالعزة ، وفي سطورها أمجاد ستروي الأجيال تفاصيلها عن رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر حتى إن أثخنته الجراح











فماذا تقول لنفسك بعد رؤيتك ليوسف؟!!! .


نفسك تنتظر الإجابة

الثلاثاء، 27 يوليو 2010

موقف الإخوان تجاه أخطاء الأفراد



 


هل جماعة الإخوان ترضى بالأخطاء التي تصدر عن بعض أفرادها؟


وهل تتستر الجماعة علي أخطاء الأفراد دون معالجتها؟

للإجابة علي هذه التساؤلات نقول: جميع رجال الدعوة عموما، وجماعة الإخوان خصوصاً، يمرون بظروف صعبة، نتيجة محاربة الحكومات المنحرفة لهم، وتضييقها الخناق عليهم، والممارسات التعسفية الموجهة ضدهم، كل ذلك له أثره الكبير في إعاقة مسيرة ومناهج تربية الأفراد وتطوير إمكانيتهم.

إنه لم يؤثر منذ أن قامت الجماعة حتى الآن أن جماعة الإخوان الإسلامية تستر علي خطأ واحد صدر علي فرد من أفرادها سواء فيما يتعلق بالسلوك ،أو الفهم أو الأفكار، وأن الجماعة كطبيعة أي تجمع بشري تمر بمشاكل داخلية كثيرة حدثت فتن أيام الإمام البنا عليه رحمة الله ومن بعده، وعولجت في جو من الحب والنصح الجميل، وعاد المخطيء إلى صوابه، ومن أصر أخرجته الجماعة من بينها، حفاظاً علي ثوابت الجماعة.

إن جماعة الإخوان تتبع الحكمة في التعامل مع أفرادها، خشية تفلتهم وتركهم للجماعة، وقد يكون سبباً في تحولهم إلى صفوف الأعداء، ولنا في منهج رسول الله قدوة، وذلك عندما هزم المسلمون في غزوة أُحد، وأخذ عبدالله بن أبيّ بن سلول يردد: إذا عدنا المدينة ليخرجن الأعز منها الأزل، فهم الصحابة بقتله وطلبوا الإذن من رسول الله ، فقال لهم لا تفعلوا حتى لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه.

فهذا من باب الحكمة ولم الشمل، والعمل على استيعاب المشاكل وحلها داخل البيت الإسلامي، في الإطار الضيق، في ظل هذه المرحلة الحرجة من مراحل تكوين الدولة الإسلامية.

إن سلطة الجماعة على أفرادها في الأصل أنها ملزمة، ولكنها ليست لها الآن سلطان دولة إسلامية لها جهازها القضائي وجهازها التنفيذي، حتى تصدر أحكاما وتطبقها، وحتى يخشاها الأفراد، ولذلك تحرص الجماعة عند تكليف أفرادها بمهام أن تكلفهم بالمهام المناسبة لإمكانيتهم النفسية والإيمانية والمادية الحالية، ولا تكلفهم بما لا يطيقون ، بل كل على حسب ما وصل إليه من إيمان، خشية تفلت الأفراد وتذمرهم وذلك أملا في أن يثمر منهج التربية المتبع معهم، فيزداد إيمان الأفراد فيأخذون بعد ذلك تكاليف الجماعة بصفة الإلزام.


ولكن لبعض الأفراد في الجماعة إمكانيتهم وقدراتهم الضعيفة، فلا تستطيع الجماعة إلزامهم.


لقد قامت الجماعة بمراجعة العديد من أفرادها الذين أخطأوا في تصريحاتهم وفي كتابتهم واجتهاداتهم، وتقبل هؤلاء ــ ولله الحمد ـ النصح، ورجعوا عن مقولاتهم، واعتذروا عنها، ولقد تم كل ذلك سراً، وذلك للأسباب التي سبق ذكرها، من ستر المسلم لأخيه، وعدم، وعدم إشاعة أخطائه، وعدم إثارة البلبلة في النفوس، ولأن الزمن كفيل بنسيان مثل هذه القوال، وأن تكرارها يساعد علي نشرها ولفت النظر إليها، وربما أعلنت الجماعة عن مثل هذه الاعتذرات، ولم تصل إلي عامة الناس، إما لعدم متابعة الناس لأخبار الجماعة، أو لأن مستوى النشر كان بين فصائل الجماعة وكوادرها.

الإخوان وانتخابات نقابة المحامين عام 1992م




نقابة المحامين من النقابات الهامة في مصر والتي لها ثقل كبير، فهي تعتبر بطبيعتها الملاذ للضعفاء لنصرتهم ضد الجبروت، وكان هذا واضحا فترة تولى الأستاذ أحمد الخواجة نقيب المحامين في أواخر عهد السادات والذي بلغ بالرئيس السادات الغضب لأن يصدر قرار عام 1981 يتضمن حل مجلس نقابة المحامين وتعيين مجلس للنقابة على أن يكون نقيبه الأستاذ جمال العطيفي، وفي ظل ذلك تكونت مجموعة من شباب المحامين لم يكن للتيار الإسلامي أحد فيها حيث كان يسيطر على النقابة الليبراليين واليساريين، ومن ثم نظر الأستاذ التلمساني عام 1983م فلم يجد أحد بنقابة المحامين من الإسلاميين ومن هذا التاريخ عمل على دخول الإخوان لهذه النقابة بغير مظلة الإخوان ونشط فريق من باب الإخوان في تعريف المحامين فى المحافظات بهم وبأهدافهم وكان على رأس هذه المجموعة الأستاذ مختار نوح.

وبعد تولى الرئيس مبارك عدل قانون المحاماة بما يسمح لبعض شباب المحامين الدخول فى هيئة النقابة، وأجريت الانتخابات عام 1985 حيث فاز الخواجة بمقعد النقيب، وفاز مختار نوح بالمقعد الأول للشباب، وسامح عاشور الذي فاز بالمقعد الثاني للشباب، وقد عمل نوح في لجنة الشريعة.
ويظهر في هذه الصور انتخابات عام 1992م والتي دخل فيها الإخوان بثقلهم حيث رشح عنهم كلا من أحمد سيف الإسلام حسن البنا ومختار نوح ومحمد طوسون وخالد بدوي ومحمد أحمد سليم ومحمد السيد حمدون ومحمد أبوالوفا وجلال سعد وغيرهم والتي نجحت فيها قائمة الإخوان، وبعدها وضعت النقابة تحت الحراسة .

الاثنين، 26 يوليو 2010

إشارات على الطريق..من تراث أبو حذيفة المصري





كتبتُ من قرابة الشهر بعض الكلمات والتي فيها تشابه كبير لما عرضه الدكتور رفيق لكن ليست بنفس المستوى الفكري طبعاً أسميتها ( إشارات على الطريق ) وبالمناسبة كانت قبل إنضمام الإخوان رسمياً لجبهة التغيير, وكنت أفكر في طرحها في موضوع مستقل لكن وجدت أن الأمر لا يستحق فوجدت أن هنا مكانها الأنسب !



كثُر الكلام في الفترة الأخيرة عن الإخوان ودورهم اتجاه القضايا الداخلية وعن مدى تفاعلهم مع الحراك القائم في البلد وعلاقتهم بالحركات الناشطة في مجال الإصلاح ، فجاءت هذه الإشارات لتوضح ولو قليلاً رؤية الإخوان في الإصلاح على الأقل حسب فهمي المتواضع





أولاً : سنة التدافع


ما يحدث الأن في مصر من تحركات وصراعات بين " الحق " و " الباطل " هو سنة من سنن الله عز وجل ، وصراع طبيعي حدث أكثر من مرة وتكرر كثيراً عبر التاريخ وعبر الأزمان كل ذلك " ليميز الله الخبيث من الطيب " ، لكن عزاء الأخ منا أن الغلبة في النهاية له وللصف المؤمن إذا ما أخلصوا لله وأخذوا بالأسباب (..وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ الروم:47 ,( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) (آل عمران:139)، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) "النور:55".








ثانياً : ولكنكم قوم تستعجلون


ما بناه " الإستخراب " في عشرات السنين في بلادنا لا يمكن هدّه في أيام أو شهور ولا حتى سنوات ، كذلك لا يمكن إزاحة عملاءه " فرعون وأعوانه " بالساهل خاصة أنهم تمكنوا في البلد وفي جميع المؤسسات , لكن المطلوب عدم التسليم بالأمر الواقع !


يقول الأستاذ أسامة طه في كتاب (مراجعات في فكر الداعية) : " إن الإسلام دين يحب لأتباعة ان يصابروا الأيام ، والأ يتبرموا بعداوات شرست، وخصومات فجرت ، فما خلقت الأرض لنا وحدنا ، فحينما ضاق يونس بقومه ولم يصبر على لأواء الدعوة عوقب على ذلك ، ثم امر الله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم بالصبر ، لئلا يصيبه التبرم والضيق كصاحب الحوت عليه السلام "







ثالثاً : نقود الأمة ولا ننوب عنها




يقول المرشد الرباني الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله واصفاً التغيير الذي يرنوا اليه الإخوان: "عميق لا سطحي , جذري لا فوقي , متدرج لا فوري , عالمي لا قطري , مستقر لا وقتي , نقود الأمة إليه و لا ننوب عنها فيه ".


وهذا ما يقوم به الإخوان الأن فقد تم إنشاء قسم جديد في الجماعة يحمل اسم " المجتمع " وهو تقريباً من يُحرك جميع الأعتصامات الإضرابات في مصر ، وهذا امر جميل أن نرى جميع الفئات تتحرك ، فقد أصبح النظام الأن في مواجهة الجميع وليس الإخوان فقط وهذا هو المطلوب ولو على الأقل في هذه المرحلة ! ،


اما إذا نزل الإخوان للشارع " بثقلهم " في كل المناطق والشُعب سيعود الحال على ما كان عليه في البداية " الإخوان في مواجة الحكومة " وهذا ما لا يريده الإخوان حتى لا يُفهم الأمر على أنه معركة خاصة بين الإخوان والنظام !














رابعاً : سنة التدرج




يُروى عن عمر بن عبد العزيز أن ابنه عبد الملك قال له: مالكَ لا تُنفِذ الأمور؛ فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك فى الحق، قال له عمر: لا تعجل يا بُنيَّ، فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين، وحرمها فى الثالثة، وإنى أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة فيدفعوه جملة ويكون من ذا فتنة .


تعجل الأمر وإحراق المراحل واستعجال قطف الثمرة لا يأتي بخير ابداً بل ضرره أكثر من نفعه ، وقد جرب من كان قبلنا وبعد سنوات من العمل ثم انتهوا الى ما بدأ به الإخوان !














خامساً : اعتبار المآلات
تقدير أفراد الجماعة المسلمة لعواقب ومآلات الأفعال أمر لابدٌ منه ويجب القيام به ولن تكون الجماعة بدعاً في هذا...فالرسول صلى الله عليه وسلم امتنع عن قتل المنافقين مع استحقاقهم لذلك وقال " أخاف أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه " , تخلى عن إعادة بناء الكعبة حتى لا يثير بلبلة بين العرب ، وكثير منهم حديثوا عهد بالإسلام ، وقال لعائشة رضي الله عنها:  " لولا حدثان قومك بالإسلام لفعلت ", وعندما بال الصحابي في المسجد وقام الصحابة بزجره ومنعه قال صلى الله عليه وسلم: " لا تزرموه _ ولا تقطعوا عليه بوله _ دعوه ..إنما بعثتم ميسرين ولستم معسرين", ولما قُتلت سمية في العهد " المكي " فلم يملك لها الرسول إلا إن يدعو لها ولزوجها " صبراً آل ياسر ياسر فإن موعدكم الجنة " ، وفي المقابل كُشفت عورة مسلمة في المدينة فكانت غزوة " بني قينقاع " ! هذا مع بساطة جريمة كشف عورة امرأة مسلمة إذا قيست بقتل سمية بحربة في قُبُلها !


فلولا مراعاة المآلات والنتائج لوجب قتل المنافقين ، وإعادة بناء الكعبة على قواعد ابراهيم ، ومنع البدوي من اتمام فعلته الشنيعة ، ولولا مراعاة وضع المسلون في مكة لثار الرسول صلى الله عليه وسلم وانتقم لمقتل " سمية" رضي الله عنها كذلك لولا مراعاة المآلات وعواقب الأفعال لخرج مئات الألاف من الإخوان في الشوارع في كل الشعب والمناطق ولكن لعلمهم أنهم يواجهون أناساً لا يرقبون في مُصلحـٍ إلاّ ولا ذمة ولا أخلاقاً ولا حتى عرفاً لذلك لم تحن بعد مثل هذه التحركات والأفعال ، إن لاعب الشطرنج يفكر عشرات المرات قبل تحريك أحجاره ، كي لا يقع في خانة كش ملك ! أفلا يستحق الإسلام من الجماعة التفكير عشرات المرات في مألات الأعمال قبل الإقدام عليها ! باختصار كما يقول الإمام الشهيد: "ولا يحب الإخوان أن يخلطوا البناء بالهدم ".




سادساً : التلاحم والتراحم


ومما لا شك فيه أن المتفق عليه أكثر بكثير مما نختلف عليه ، وهذا مع جميع القوى العاملة على الساحة بلا استثناء خاصة إذا تعلق الأمر بالحريات والقيم الإنسانية العامة التي تشمل الجميع دون انتقاء ، يقول الإمام الشهيد: "الذي يريده الإخوان إصلاحاً شاملاً تتعاون عليه قوى الأمة جميعاً ، وتتجه نحوه الأمة جميعاً ",ويقول ايضاً رحمه الله: "ودعوة الإخوان دعوة بيضاء نقية ، غير ملونة ، وهي مع الحق أينما كان ، تحب الإجماع وتكره الشذوذ ".


والله من وراء القصد


أخوكم: الوليد أبو حذيفة

الإسلام هو الحل





إذا حسبنا فترة استعمار الغرب لعالمنا الإسلامى منذ وطأت أقدام الأجنبى أرضنا و ديارنا و تحكم فى أمورنا و بدأ ينشر أساليب حياته و مدنيته و يذيع أفكاره و آراءه، و يروج لأنماط سلوكه و خروجه على القيم و المثل، ويسعى بدأب لاقتلاع الإسلام كعقيدة راسخة فى القلوب، وفهم صحيح فى الأذهان، وتطبيق على أرض الواقع، ورسخ بذلك الفصل بينه و بين أمور و شئون الحياة الدنيا من خلال حصره و حصاره فى الزوايا و المساجد، و فى إطار ركعات دون روح، وحلقات ذكر لا ينبعث من القلوب، و قرآن يتلى فى المآتم.


وإذا أضفنا إلى ذلك فترة الاستقلال و سيطرة حكومات و نظم حاكمة من أهلنا و من ديارنا، واصلت السير على نفس المنهج والتزمت المضى على نفس الطريق فى ذات الإطار و التوجه، نستطيع أن نقول إنّ العلمانية و الأفكار و النظم و النظريات الوافدة، قد حكمت البلاد و العباد فى عالمنا الإسلامى ما يزيد على المائة و الثمانين عاماً، نُحِّىَ فيها الإسلام عن حياة الناس تنحيةً كاملة، وسيطرت فيها العلمانية و الوافد من النظم و النظريات سيطرةً كاملةً، بالقهر و القسر، و الترغيب و الترهيب، بالإعلام و الدعاية، بتسخير العلم بعد الانحراف به عن صحيح مساره و صحيح أهدافه، حتى وصلت بالمسلمين إلى حال الفقر و التخلف الذى يعيشونه، ووضع التبعية و الإذلال الذى يحيونه، و حالة الرضوخ والاستسلام التى سيطرت عليهم، حتى صاروا هدفاً قريباً لكل طامع، وصارت أرضهم و ثرواتهم كلأً مباحاً لكل مغامر، و صارت ساحتهم مفتوحة أمام قوى العدوان الأمريكى و الصهيونى لممارسة شتى أشكال الهيمنة و بسط النفوذ، و فى غطرسة و بلطجة تجرى المحاولات و الجهود لاقتلاع جذور حضارتنا وإنهاء دورنا ووجودنا.


ومع ظهور وانتشار الصحوة الإسلامية، و ذيوع أدبياتها و أفكارها و رؤاها، و مع رفعها شعار "الإسلام هو الحل" تجاوبت والتقت الشعوب الإسلامية معها حول ضرورة نبذ ورفض المذاهب و النظم وأنماط الحياة و السلوكيات الوافدة –بعد أن تأكد لها أنها سبب التخلف و التدهور و البلاء، و الرضوخ والتبعية، والفقر و التخلف- وضرورة العيش فى إطار وظلال الإسلام لأنه سبيل الأمة الوحيد و الصحيح للخروج من الأزمات، و حال الفقر و التخلف والفاقة وكسر أطواق العزلة وتحطيم قيود الأسر والتبعية لتعيش فى مستوى العصر وفى إطار الأصالة والهوية والقيم النبيلة، وتمارس حياتها الكريمة فى ظلال العزة و الكرامة و الأمن .. إلا أن جهات من الخارج، مع جهات من الداخل تملك وسائل الإعلام و الدعاية وأسباب القوة والسلطان، انبرت تشن حملات الهجوم والتجريح والتشكيك فى دعاة الإسلام، وفى الإسلام مصحوبة بحملات التعتيم و التشويه.


حملات دافعها و باعثها الجهل أو الخوف أو القلق على مستوى الداخل، كما أن دافعها و باعثها الحقد و العداء حين تفد من الخارج، أو تنبعث من المفتونين بالخارج من أهل الداخل.











 مزاعم وأباطيل :



زعموا أن الإسلام دين يخاطب القلوب، ولا علاقة له بأمور الحياة المتطورة و المتغيرة والمتجددة، وقالوا إن المناداة بالعيش فى إطار الدين إنما تعنى الهروب من العصر و متطلباته و مسئولياته و النكوص إلى عصور الظلام والتأخر.


وادَّعى فريق من القوم أن الإسلام ليس إلا تطبيق حدود تقطع يد السارق فى غير رحمة، وترجم الزانى فى غير شفقة، وتجتز عنق القاتل فى غلظةٍ و قسوة.


كما ادَّعى البعض أن تطبيق الشريعة يعنى تحريك الطوائف الأخرى للرفض بما يؤدى إلى إشعال الفتنة الطائفية.


وتمادى فريق فى المغالطة فزعم أن دعاة الإسلام لم يتفقوا على أسلوب للتطبيق، ولكن تفرقوا إلى فرق شتى، كلٌ يزعم له أسلوباً فى التطبيق، وهذا الخلاف هو دليل الافتقار إلى الرؤية الصحيحة، كما أنه دليل على أن الإسلام دين للعبادة ينهض بها الإنسان بينه و بين ربه، وأكثر من ذلك أهمية أنه دليل ضرورة البعد بالإسلام عن مشاكل وأمور الحياة، واختلاق أساليب التطبيق، والخطأ فى التطبيق بما يجعل الإسلام الدين الإلهى منزهاً عن تحمل أوزار و أخطاء تطبيق البشر.


وزعموا أن الإسلام ودعاته لا يتسعون صدرا للرأى الآخر، و الأفكار الأخرى، ولا يعترفون بالديمقراطية والحوار، كما وصموا جميع الدعاة بالتطرف و الإرهاب.


ونسى القوم –أو تناسوا عن عمد- أن الإسلام الذى نزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء فى أول آيات قرآنه دعوة وتوجيها وحفزا على العلم و القراءة، كما جاء فى العديدمن آيات قرآنه دعوات إلى المؤمنين، مع تنبيه مصحوب بالدافع والحفز على التدبر فى آيات الكون، وإبداع الخالق فى خلقه، ولا يمكن أن يكون التدبر إلا عبر العلم فى أحداث مستوياته، ومن خلال أحداث أجهزته ووسائله ومؤسساته.


بل إن الإسلام الذى دعا إلى العلم وأنزله منزلة الفريضة من خلال قول رسوله عليه الصلاة والسلام : "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة" جعل هذا العلم واحداً من أهم الأعمدة فى بناء الدولة وأيضاً واحداً من أهم أسلحتها على صعيد التقدم والازدهار،وبلوغ الأمة موقع القيادة والريادة لتنشر النور وتؤكد معالم العدل والإنصاف والمساواة، وترسخ معالم ودعائم السلام الصحيح، وليس سبيلاً أو وسيلة لزرع بذور العدوان أو نشر الطغيان واستعباد الأمم والأوطان واستنزاف الثروات واستعباد الإنسان، ومن أجل هذا فإن مفهوم الإسلام للعلم هو أنه وسيلة وسبيلاً للبناء والتعمير والتقدم والنماء وليس سبيلاً للتخريب والتدمير.


كما أن الإسلام الذى شرع قطع يد السارق، إنما شرع ذلك القطع ليد امتدت لمال الغير أو حقه، بعد أن تكون الدولة قد وفرت لصاحبها حقه فى العمل المناسب، والمسكن الملائم، والكسب الذى يكفيه حاجته من الطعام المناسب والملبس المناسب، وهو أمر وضحه الفاروق عمر بن الخطاب الحاكم العادل وحجة الله على كل حاكم حين سرق غلام، فأنذر من يعمل لديه بقطع يده، إذا لم يف الغلام حقه من المال والمطعم والملبس.


أما الزعم بأن تطبيق الشريعة الإسلامية، الذى هو حق طبيعى للأغلبية المسلمة، سوف يؤدى إلى إشعال الفتنة الطائفية، فإن حقائق التاريخ الناصعة، تؤكد أن الأقليات غير المسلمة فى بلاد المسلمين تمتعت بكل الحقوق التى يتمتع بها المسلمون فى أوطانهم، حينما كانت الشريعة مطبقة تطبيقاً صحيحاً، بل إن الفتن ما ظهرت فى بلادنا إلا عندما انحسرت ظلال الشريعة عن حياة المسلمين، وشهادات زعماء الأقباط فى مصر التى تؤكد هذه المعانى أكثر من أن تحصى.


والذين يتهمون الدعاة بأنهم لم يتفقوا على أسلوب لتطبيق الإسلام، هؤلاء أيضاً افتقدوا الرؤية الصحيحة التى تؤكد أن هناك أصولاً وثوابت لا يختلف عليها أحد، أما الفروع و المتغيرات فإنها محل للاجتهاد حسب الزمان، والمكان، والظروف المحيطة.


وأخيراً فإن الزعم بأن دعاة الإسلام لا يعترفون بالشورى و الديمقراطية، هو قول يجافى الحقائق الناصعة والأدلة الدامغة، ولا أدل على ذلك من أن الإسلاميين حازوا ثقة أعضاء النقابات المهنية فى مصر بالحوار والإقناع والإخلاص فى العمل، حتى استعملت السلطة سيف القهر، والتسلط لتنحيتهم عن إدارة النقابات.






 مجتمع متكامل متزاحم


من أجل ذلك، ومن أجل إيفاء المجتمع حقوقه وتوفير مطالبه وحاجاته، وضع الإسلام الضوابط لتيسير الحياة وتوفير متطلباتها، وأوجب وحضَّ على النهوض بالمشاركة والبذل والعطاء، فجعل أداء الزكاة فريضة على الأموال، ونهى عن الاكتناز كما نهى عن الإسراف أو الإنفاق فى غير الوجهة الصحيحة، وجعل المال فى المجتمع فى موضع الخادم الذى ينهض بأداء مطالبه، وتحقيق رغباته المشروعة.


وإذا كان الإسلام قد نزل من عند رب العباد عقيدة وشريعة ونظام حياة شامل، فإنه من العبث والانحراف أن يجرى الفصل بين العقيدة والشريعة، أو بين الشريعة والعقيدة وبين نظام الحياة، لينحصر دوره فى ركعات أو قرآن يُتغنى به أو مسابقات للقرآن، لتكون مصدراً للدعاية لحاكم أو سلطان، أو مساجد شاسعة على شواطئ المحيطات، أو مع امتداد القصور الفاخرة، ومن ثم فإن المفهوم الصحيح للإسلام كسبيل وحيد للعلاج، والخروج من الضوائق والأزمات ومحن الفاقة والتأخر، إلى بحبوحة العيش، وآفاق التقدم، وسعة الطمأنينة وهدوء وراحة الاستقرار، هو الالتزام بالإسلام فى شموله وكماله، وكما نزل من السماء وطبقه السلف الصالح فى تأكيد تكريم الإنسان، واحترام إنسانيته وصون أمنه وحريته وحرماته وكرامته، وفى تحديد واضح للعلاقة بينه وبين مجتمعه، وبينه وبين أصحاب الحكم والسلطان، ومع تأكيد واضح لدوره ومشاركته فى القرار وأمور وشئون بلاده ومجتمعه فى إطار الشورى التى جاء بها الإسلام، وتؤكد حق إبداء الرأى وحرية التعبير والنقد، واحترام الرأى الآخر وتنزيه الانتخابات عن العبث والتزييف لتبقى وسيلة وسبيل الشعوب لاختيار حكامها وممثليها.


إن "الإسلام هو الحل" ليس مجرد شعار اكتسب شهرته من خلال بريقه، أو استحوذ على عقول الجماهير من خلال وقعه ورنينه، ولكنه شعار اكتسب تعلق الناس به وتعليقهم الآمال عليه من خلال مضمونه بأبعاده ومعالمه، وأسسه ودعائمه، وضوابطه وضماناته.. إنه يعنى نهوض بناء المجتمع على الإيمان بالله ورسالاته، وبغايات الوجود فى دنياه والجزاء فى أخراه، إيماناً خالصاً من الشرك والشك، يؤكد العقيدة بمنابعها الصافية من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، دون غلو أو تحريف، فلا يعبد إلا الله ولا يصدر الإنسان والمجتمع فى جميع الأعمال إلا عن سعى لرضا الله وخشية من غضبه، فتكون الاستقامة فى الفكر والعمل على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع، وعلى مستوى الرعية وعلى مستوى الحاكم.


كما أن "الإسلام هو الحل" إنما يعنى التزام تربية الفرد والأسرة والمجتمع على التقوى وعلى الإخلاص لله والثقة به والتوكل عليه مع الشعور بالمسئولية، إزاء الناس وأمام الله، وهو كذلك يعنى الالتزام بالمحافظة على شعائر الإسلام خاصة عبادته؛ فهى الأركان العملية التى بُنى عليها هذا الدين، ومن ثم يجب إحياء دور المسجد ورسالته ليكون مركز هداية وإشعاع وإصلاح للرجال والنساء، مع اختيار لأفضل العلماء وأقدرهم لإبلاغ الرسالة مع حرية فى التعبير والقول، وإقناع العقول والتصدى للأباطيل والانحرافات فى الفكر أو الرأى.


إن "الإسلام هو الحل" يعنى أيضاً التزام القيم، ومحاربة شتى أشكال الفساد والانحلال، مع التزام الحكمة والموعظة الحسنة، ومع السعى لمنع مظاهر التبرج والعرى وتحريم وتجريم المسكرات والمخدرات و مطاردة مروّجيها وتجارها، ومعالجة مدمنيها وإغلاق جميع أندية العبث والفجور، كما أنه يعنى شيوع روح الجماعة والتعاطف والتكافل، فقد خاطب القرآن المسلمين بصيغة الجمع وارتفع الإسلام بمنزلة صلاة الجماعة إلى درجة عظيمة من الجزاء والثواب عند الله.




وإذا كان "الإسلام هو الحل" يعنى الإسلام الذى نزل من عند الله لا فصل ولا انفصال فيه بين أمور الدين وأمور الدنيا، فإنه –من ثم- يعنى التزام ما جاء به الإسلام فى مجال المال والثروة والاقتصاد، من تحريم للربا، وتنظيم لمصادر الثروة التى تضعها الدولة تحت إشرافها، والأخرى التى يفسح الإسلام المجال فيها للأفراد كى ينشطوا من خلال الخطط الهادفة والضوابط والضمانات الفاعلة والقيم والمثل التى تحكم العمل والنشاط سعياً لتحقيق المستوى المطلوب و المأمول للحياة التى تناسب الإنسان المسلم والمجتمع المسلم.


كما يعنى فى نفس الوقت التزام الجميع –على مستوى الحاكم وعلى مستوى المجتمع- بالحرية كفريضة تجرم العدوان على حق التعبير، أو حق العبادة، أو حق الأقليات فى المساواة والعدل وصون الحرمات.


إن الدعاة إلى الله لا يطرحون شعار "الإسلام هو الحل" كمجرد شعار، ولكن على أنه شعار لدين شامل ونظام كامل.. إنه شعار خير أمة أُخرِجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتبشر بالقيم والمثل وتسعى لنشر النور والعلو والخير فى جمع الأرجاء.. إنه يعنى أن تخلع الأمة عن نفسها أسماء وأزياء غيرها، لترتدى ثوبها الذى يجسد روح العصر، ويؤكد هويتها وأصالتها.


يمضى الدعاة إلى الله على الدعوة وهم واثقون بأن الله منجز وعده لمن خلصت نيته، واستقامت وجهته، وشمر عن سواعد البذل والعطاء والعمل والجهد،لا يطمع إلا فى رضا الله وعظيم أجره، كما أنهم فى الوقت نفسه يدركون أن الطريق غير مفروش بالورود، بل تعترضه العقبات وتملؤه السدود والحواجز وتكتنفه الصعاب، ومن أجل ذلك لا يتسلل إلى قلوبهم اليأس أو الوهن، ولا تخبوا فى نفوسهم بواعث الأمل فى غد مشرق تسوده القيم، وتظلله العدالة وتتأكد فيه معالم ودعائم الحرية والأمن، وترفرف عليه أعلام الحب والأخوة، وتتضاءل وتنكمش –بل تتلاشى- فيه الموجة الطاغية من مدنية الغرب وحضارته المادية التى خضعت لسيطرة المتعة والشهوة.


ومع وعورة ومعوقات الطريق، ومع مواصلة الدعاة للعمل المتواصل والسعى الدءوب لما فيه خير الناس كافة، ومع صفاء وخلوص النيات، وصدق واستقامة الوجهة والتوجهات تلوح فى الآفاق مؤشرات ومبشرات الخير، هى بالنسبة للدعاة إلى الله بمثابة العلامات على صحة الطريق، ليوقنوا أنهم ماضون نحو الهدف والغاية، فيضاعفوا الجهد والعمل.

من أجل ذلك كان الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين –وهو يؤكد أن من بين مهام الإخوان المسلمين العظيمة أن يقفوا فى وجه الموجة الطاغية من حضارة أوروبا المادية التى زحفت على عالمنا الإسلامى، ويدرك أن الطريق طويل وأن المتربصين على جانبيه وخلف سدوده وعوائقه كثيرون- يدرك أيضاً أن المستقبل للإسلام.


كان يدرك أن الاستعمار الذى ساد وسيطر لقرون على أحوال وأوضاع المسلمين، وهو يفرض نماذج وأساليب حياته، قد باعد بين الناس وأن يستظلوا بشريعة الإسلام، ويعيشوا فى رحاب نظامه، ومهد فى الوقت نفسه الطريق لانتشار عاداته وتقاليده وقيمه الإباحية، وأيضاً انتشار الجرائم البشعة من قتل وسرقة واغتصاب، مع إدمان للمخدرات وإشاعة للخمور والمسكرات، ومع تنحية الغرب لشريعة الإسلام لم تكن هناك الأحكام الرادعة الحازمة التى تردع وتكبح الشهوات فضعفت وذبلت الضوابط الداخلية فى قلوب وأفئدة الناس.


أدرك مؤسس هذه الجماعة كذلك أن الأنظمة الحاكمة قد آلت على نفسها أن تعرقل خطوات الدعوة والدعاة مع غض الطرف عن الفساد والمفسدين، بل إن منها من روّج للفساد من خلال أجهزة الإعلام، وذلك بإفساحها المجال بقصد أو غير قصد للعديد من أشكال الانحراف أو أشكال السلب والنهب.


ولمس ببصيرته الفاحصة أن الأزهر الشريف صاحب الرسالة العالمية والتاريخ الحافل بالجهاد ونشر العلم والضياء، لم يسلم من الطعن والتخريب فى ظل الاستعمار للحيلولة بينه وبين رسالته، وما أصاب الأزهر أصاب من قبل المعاهد التعليمية، حتى وصل الوضع فى أيامنا الراهنة إلى حد أن الكثيرين لا يعرفون كتابة جملة صحيحة شكلاً ومعنى، كما انحدر مستوى الدعاة وانعزلوا عن حاجات العصر وفهم مطالبه ففقدوا تأثيرهم بالضرورة.




 مؤشرات ومبشرات


كان حسن البنا الإمام الداعية، والأجيال من الدعاة الذين حملوا الأمانة وواصلوا المضىّ على طريق الدعوة من بعده، يعرفون طبيعة الطريق، ولكن يدركون أن لعمل الدعاة ثماره، ولجهودهم نتاجها، خاصة أن دلائل ومؤشرات ومبشرات الخير تلوح فى الآفاق، بل ويلمسها الناس على أرض الواقع تغييرا فى المجتمعات كان من أهم ملامحه ظهور بدايات و دلائل تؤكد انحسار مظاهر وعادات وتقاليد الغرب التى زحفت علينا، تغييراً صاحب ظهور وانتشار الصحوة التى عمت المشرق والمغرب، وكان من أهم ملامحها التمسك بالدين والتزام تعاليمه وقيمه وسلوكياته على مستوى الفتيان والفتيات، وما واكب ذلك من إقبال على العبادة واعتزاز من الفتيات بالحجاب الذى حسر موجة التبرج والسفور مع تأكيد الحرص على الهوية والأصالة والتفوق فى العلم والمعرفة لتحقيق التقدم المنشود.




أيضاً ظهرت البنوك والمؤسسات الاقتصادية الإسلامية التى قطعت شوطاً فى تحرير المجتمعات والأفراد من وطأة الربا، وفتحت الأبواب أمام المشروعات الإسلامية، مع تأكيد روح التكافل والتضامن والتعاطف، كما صار للزكاة العديد من المراكز والمواقع التى تقوم بجمعها و الكثير من المنافذ التى تقوم على صرفها فى أوجهها وحيث تؤتى ثمارها.


وارتفعت فى كل مكان الأصوات المطالبة بتطبيق شرع الله، والعيش فى إطار ونظام الحياة الذى ارتضاه الله لعباده والذى يكفل لهم السعادة والطمأنينة وراحة البال والضمير، واستقرار وتوازن النفس، كما ارتفعت رايات وشعارات الجهاد ومقاومة الأعداء والدفاع عن الأوطان وتحرير المحتل من الأقطار، بل لقد حدثت معارك ومواجهات بين المجاهدين وقوى الاستعمار على ساحات، عادت بالأذهان إلى الزمن الأول للجهاد والمجاهدين، والتضحية والبذل بعد أن ظن الأعداء أنهم تمكنوا من وأد روح الجهاد فى الشعوب الإسلامية.


ومع اتساع حركة الدعاة، اتسعت آفاق المد الإسلامى لتشهد ساحات العديد من الدول الغربية، وأيضاً الساحة الأمريكية، عديداً من الأنشطة الإسلامية من خلال المراكز والجمعيات الإسلامية والمساجد والمدارس التى تمارس دورها الدعوي عبر الحوار الذى يعتمد الحجة والدليل من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعبر جميع الأعمال والأنشطة التى تؤكد -سعى وحرص الإنسان المسلم على خير الناس وصالحهم، كما نشطت حركة للترجمة صاحبها إقبال نشط على دراسة الإسلام والإيمان به والنهوض بتعاليمه، الأمر الذى يشير إلى تطلع الأرواح والنفوس إلى ما يروى ظمأها ويضمن ويوفر لها توازنها، وبالتالى يحقق لها السكينة والطمأنينة.


من أجل ذلك كان صبر الدعاة على البلاء ومشاق وفتن ومحن الطريق هو صبر الذين آمنوا بالإسلام الحنيف الذى لا عوج فيه، ولا ضلال لمن اتبعه، ورسخت العقيدة فى قلوبهم وأعماقهم فصارت أثبت من الرواسى وأعمق من خفايا الضمائر، وباتوا وأصبحوا وهم يرددون فى امتثال والتزام وتدبر: (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ) (آل عمران: 18-19).


إنهم يرون فيه النعمة الكبرى التى أنعم الله بها على عباده، وأرسل بها جميع رسله منذ آدم حتى خاتم النبيين والرسل عليهم الصلاة والسلام، والذى نزل الإسلام على قلبه لجميع الناس وحتى قيام الساعة، وصدق القائل عز وجل: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَ رَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) (المائدة: 3).








 الإسلام هو الحل الوحيد


ولأن الإسلام هو العقيدة والشريعة ونظام الحياة الذى ارتضاه الله لعباده، وهو وحده الذى يعلم ما فيه نفعهم وصالحهم، كما يعلم سرهم وعلانيتهم.. فقد كان الإسلام وسيظل هو الحل الوحيد لمشاكل وأزمات البشرية, يعرف ويلبى مطالب الروح والنفس فى توازن، ويربى فى الناس وازع الإيمان والخشية والرحمة، ويطبع فى القلوب وعلى الجوارح حب الخير، ويزرع فيهم الضوابط الداخلية تمارس دورها قبل الضوابط الخارجية، يؤكد القيم والمثل، كما يؤكد العفة والفضائل، نادى فى الناس أن الأمن والحرية حق فطرى للكافة ولا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى، أسس البناء الاجتماعى على الإيمان والعلم والعدل والإنصاف والمساواة والعزة والكرامة ورفض الضيم، وجعل حسابا فى الدنيا من خلال شريعة سمحة حازمة عادلة، وحسابا فى الآخرة لمن اتقى وأحسن أو أساء وانحرف.


لقد جعل الإسلام التربية ركنا أساسيا من أركان بناء المجتمع الصالح، أكدها فى البيت لتنشئة الفرد الصالح والأسرة الصالحة وأوصى الآباء والأمهات بتخريج أجيال تعرف رسالتها وتؤدى دورها، ولا تقتصر فى نشر الخير والنور والحق والعدل كخير أمة أُخرجت للناس، تامر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتنطلق من جميع تصرفاتها وممارساتها من إيمانها بالله وخشيته وحبه والحب فيه.


كما أكد التربية فى دور العلم ومعاهده فى إطار سياسة تعليمية وتربوية ومن خلال برامج للإعلام تلتزم قيمه وتعاليمه وضوابطه وتسعى لتحقيق أهدافه، وعبر وسائل للإتصال تنقل المعرفة والمعلومة وتلتزم الصدق والعفة ولا تعرف الانحراف.


وحين يستقيم فهم الإسلام ويتأصل إيمانا عميقا فى القلوب، وفهما صحيحا فى العقول، وتطبيقا دقيقا على أرض الواقع وعبر الجوارح، تتواصل قافلة الدعاة على طريق الدعوة، من خلال أنماط من الدعاة هم وحدهم القادرون على حمل وتبليغ الرسالة، وتربية الأجيال فى الإطار وعلى المستوى المطلوب والمأمول، وهو الجانب الذى لمسه د. عبد العظيم رمضان فى مقاله فى السابع من أغسطس عام 1999م بجريدة الأهرام حين قال: "إن العهد الذهبى للتربية هو العهد الذى تولى فيه الإخوان المسلمون بقيادة الشيخ حسن البنا الدعوة" وإن كان قد جانبه الصواب حين أردف : " ولكنهم بدءوا بالتبشير بالفضيلة والآداب الإسلامية والخلق الإسلامى وانتهوا بالتبشير بالحكومة الإسلامية المزعومة والانقلاب، ونسوا أن المقصود بالحكومة الإسلامية هو حكومة كل فرد، أى أن يحكم كل فرد فى المجتمع نفسه إسلاميا، فتتحقق مراقبة الله تعالى وليس أن يحكمه حاكم إسلامى من قصر الحكم".

لقد اعترف الرجل بالحقيقة حين أكد أن العصر الذهبى للتربية كان هو العهد الذى تولى فيه الإخوان المسلمون الدعوة، لكنه حاد عن الفهم الصحيح حين اتهم الإخوان بالسعى إلى السلطة والانقلاب، وأيضا حين فصل بين إسلامية الإنسان وإسلامية الحكم والسلطان، وهو فى هذا يلتقى مع الذين يرون فاصلا بين الدولة والسياسة، وينسون أو يتناسون أن الإسلام جاء من عند الله دينا شاملا ينظم أمور الدنيا وأمور الآخرة، أمور العبادة وأمور الاقتصاد والسياسة وأمور التشريع والجهاد، بل لقد جعل الجد فى العمل، والسعى للرزق والهمة فى الكسب الحلال والصدق فى البيع والشراء.. من أمور العبادة، كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين من بعده لم يقصروا مهمتهم على أمور الدين بعد أن قامت الدولة فى المدينة وتركوا أمور الدنيا ينهض بها آخرون، ولأن الإخوان المسلمين قد أكدوا الفهم الصحيح للإسلام، ودعوا إليه وعملوا به فإنهم قد أكدوا ويؤكدون أنهم لم ولن يجعلوا الحكم هدفاً من أهدافهم، وأنهم لا يريدون الحكم لأنفسهم، ولكنهم يطالبون بتطبيق شرع الله والعيش فى ظلال وإطار نظام الإسلام وسيكونون الجند المخلصين والأعوان الصادقين لأى حاكم يطبق شرع الله عزّ وجلّ، كما أنهم عقدوا العزم على أن يبذلوا كل ما فى طاقاتهم من أجل المساهمة والعمل فى ميدان تربية النشء وتصحيح المفاهيم والتزام العمل والسلوك للقيم والمثل والسعى لما فيه الخير والأمن والسلام والاستقرار والتقدم حتى تتبوأ الأمة وموقعها ومكانها كخير أمة أخرجت للناس تقود إلى الخير والنور، والعدل والإنصاف.

ولن يتخلى الإخوان عن دعوتهم كما لن يتوقفوا عن المسيرة لاتهام غيرهم لهم بأنهم يسعون إلى السلطة من خلال رفع شعار "الإسلام هو الحل"؛ وذلك لأنهم حريصون على رضا الله والفوز بما عبده، لأن ما عند الله هو خير وأبقى.




الإسلام هو الحل شعار الإخوان المسلمين


ظهرت دعوات الإخوان المسلمين فى ثنايا السحب المتراكمة فى آفاق العالم الإسلامى فعلمت وأنارت وبعثت اليقظة بعد طول خمول، وهى ترفع شعاراتها وتعلن عن غاياتها العظيمة التى انتهجت الاقتداء بالسلف الصالح رضوان الله عليهم فى الوصول إليها، ومن بين هذه الأغراض العظيمة:


· تصحيح فهم المسلمين لدينهم وعرض المفاهيم الإسلامية عرضاً واضحاً كريماً يوافق روح العصر ويكشف عما فيه من روعة وجمال.

· جمع المسلمين عملياً على مبادئ الإسلام وتجديد أثره القوى فى النفوس.

· خدمة المجتمعات، ومحاربة الجهل والفقر والمرض والرذيلة وتشجيع البر والسعى لتحقيق الصالح العام.


· بيان موقف الإسلام من المال وكسبه عن طريق الحلال، وإنفاقه فيما يحقق صالح الإسلام والمسلمين.


· التبشير بالإسلام والسعى لإحيائه فى النفوس على مستوى كافة الأقطار، لأن دعوة الإسلام ليست قاصرة على شعب دون شعب أو قطر دون قطر، ولكنها جاءت كما قال سبحانه وتعالى فى محكم آياته وهو يخاطب رسوله ونبيه (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُلُمَاتِ إِلى النُّورِ) ( إبراهيم: 1)، ومن خلال هذا وعلى أساس من هذا التأصيل والتأسيس تنهض وحدة عالمية تجمع الناس على الخير والهدى.






أيضا من مقاصد دعوة الإخوان أن ينهض الإخوان كدعاة إلى الله عز وجل ببيان توضيح آفاق وأبعاد ومعالم القضية المهمة والرئيسية التى جاء بها الرسل جميعاً وفصلها وأكدها القرآن، وهى خلافة الله فى الأرض، فقد كرم الله الإنسان ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة وقال فى كتابه الحكيم ( وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) (الإسراء: 71).


وكافة العبادات التى فرضها الله على عباده إنما فرضت لصالخهم لترتفع بهم إلى مستوى الخير والتقوى والتزام العمل الصالح وتحرى الحلال، والبعد عن الحرام، وتوثيق الصلة بالله سبحانه، كما أن من بين مقاصد الدعاة إلى الله عز وجل أن يُذكِّروا الناس بالمستقبل اللانهائى الذى ينتظر الناس كافة، يوم القيامة وما يتطلبه ذلك من يقظة وعمل والتزام فى إطار نظرة توازن بين حاجات النفس وحاجات الروح وتحول دون الاستغراق فى متع الدنيا وشهواتها وزخارفها مع المراجعة المتواصلة لمسيرة الحياة بها كل إنسان ليضبط خطواته، ويلجم شهواته، ويُغَلب جانب الخير فى نفسه مع وازع الإيمان والخشية فى قلبه على جوانب النزوات والشهوات.


وحجة الدعاة وبَيِّنتهم ليس كمثلها حجة أو بينة خاصة وأنهما مستمدتان من كتاب الله عز وجل، وهو القائل سبحانه يصف الذين أغوتهم الدنياوانخرطوا فى قاعها ولهوها: ( وَ الذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعونَ وَيَأْكُلونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوَىً لَّهُمْ ) (محمد: 12).


وحين ينهض الدعاة ببيان مقاصد دعوتهم ويلتزمون بأداء واجباتهم الدعوية فهم ينهضون فى نفس الوقت بدورهم كشهداء على البشرية ويضاعفون السعى والجهد كى يتبوءوا مواقع الريادة والقيادة للنهوض بهذا الدور النبيل العظيم والأخذ بيد البشرية لما فيه خيرها والابتعاد بها عن الانحراف أو الهدم والتخريب أو الصراع والاقتتال، لأن الإسلام جاء بالعدل والإنصاف وأكد الحرية والأمن كما أكد السلام والتعاون ونهى عن العدوان والافتئات على حقوق الدول أو الأفراد.


من أجل هذا فإن الإخوان وهم يرفعون شعار "الإسلام هو الحل"، يعرفون ويدركون ما يترتب على ذلك من التزامات عظيمة وتضحيات كبيرة وأنماط من العمل الدائم والبذل والعطاء المتواصلين، لأنهم يسعون للأخذ بيد البشرية لما فيه خيرها ونفعها وفلاحها، كما يدركون فى الوقت نفسه أنماط العقبات والحواجز والصعاب الضخمة التى تعترض سبيلهم، وأن دعوتهم –وهى لخير الناس كافة وما فيه صالحهم- ستلقى خصومة شديدة، وعداوة قاسية من قبل جهات مختلفة، منها الحكومات، ومنها فريق من العلماء الرسميين، ومنها الجاهلون، وفى هذا يقول الإمام البنا: "إن دعوتكم ما زالت مجهولة عند كثير من الناس،ويوم يعرفونها ويدركون مراميها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم كثيرا من المشقات والعقبات، وفى هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات، وسيقف جهل الناس بحقيقة الإسلام عقبة فى طريقكم وستجدون من أهل التدين والعلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام، وسيحقد عليكم حكماء وزعماء وذوو جاه وسلطان، وستقف فى وجهكم كل الحكومات، وتحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم أو تضع العراقيل فى طريقكم، وسيتذرع الغاضبون بكل طريق لمناهضتكم، وسيستعينون بالأيدى الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان، وستدخلون فى دور التجربة والامتحان، فستسجنون وتقتلون وتشردون وتُصادر مصالحكم وتفتش بيوتكم".


كان حسن البنا صاحب البصيرة النفاذة يدرك أبعاد الطريق، ومعالم الطريق، وفى الوقت نفسه عقبات ومتاعب ومحن الطريق، وهو أمر أدركه الدعاة الذين مضوا على الطريق وواصلوا مسيرة الدعوة من بعده.






متطلبات على مستوى الدعاة والوسائل


كما أدرك الدعاة أن للمضى على هذا الطريق متطلبات على مستوى الدعاة أنفسهم وعلى مستوى السبل والوسائل.

إن حمل هذه الرسالة والتبشير بين الناس بهذه الدعوة الغالية إنما يتطلب من الفئة التى تحمل الأمانة أن تتوافر لها قوة نفسية عظيمة تتمثل فى إرادة قوية لا يتطرق إليها الضعف، ومعرفة صحيحة بالمبدأ وإيمان به لا يتزعزع، ووفاء ثابت لا يعدوا عليه تلون، وتضحية لا يحول دونها طمع ولا بخل مع تقدير للأمور، والحقائق، يعصم من الخطأ أو الاندفاع أو الإحجام ويقود إلى الصواب ويتسم بالفطنة والحنكة.


وعلى مستوى الوسائل والأسلحة التى يجب أن يتسلح بها الدعاة وهو سلاح لا يُفَل ولا ينال منه الليالى والأيام، فالحق باق خالد والله سبحانه يقول: "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ" [الأنبياء : 18] .

وإذا صدق العزم وضح السبيل، وصدق الله إذ يقول ( وَكَانَ حَقَّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) (الروم:47)، وإن تخلى جند الأرض عن الدعاة فإن معهم جند السماء، شريطة التزامهم الطريق وسعيهم نحو الغايات، مع خلوص النيات والصدق فى التوجهات.

كما يأتى الأمل بعد ذلك سلاح له بأسه ودوره، فالدعاة لا يعرفون اليأس ولا الملل ولا التراجع، ولا التبديل أو الانحراف ولا يسبقون الحوادث ولا يضعف من همتهم طول الجهاد، ويتمثلون قول الله سبحانه: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّىَ مَن نَّشَاءُ وَ لاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُــجْـرِمِينَ ) (يوسف:110) ( إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) (يوسف:87)


أيضا من بين الأسلحة الفاعلة التى يتسلح بها الدعاة، الصبر مع الاحتساب، إضافة إلى الإشفاق على الذين ينهضون بالعدوان على الدعاة أو بتعذيبهم، ولا يغيب عن أذهانهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يدعوا بالهداية لقومه الذين يؤذونه، ويقول: (اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون).




 دلائل وبشائر النجاح عند الدعاة


ومع الإيمان العميق والفهم الصحيح والتطبيق الدقيق، ومع الأخذ بالأسباب، والتسلح بكافة أسلحة الدعاة، ومع الأمل الكبير فى ستر وتوفيق الله ومع السعى الدؤوب للفوز برضاه يستشعر الدعاة دلائل ومبشرات النجاح، ويستشفون فى الآفاق ملامحه، وهم يدركون قبل وأكثر من غيرهم أن العالم كله فى حاجة إلى هذه الدعوة، وأن مجريات الأحداث على ساحته، وتطوراته وآثارها ونتائجها على كافة الساحات توحى كلها أنه أمام خيار قادم، فإما أن يؤوب إلى الرشد ويبحث عن سبل النجاة، وإما أن يسارع الخطو على طريق الانحدار والانحراف ثم الهلاك، وأصوات التعقل وصيحات التحذير، هنا وهناك، تنبئ أن العالم متجه إلى طريق النجاة، بعد أن اكتوى بنار الشهوات، وطغين الانحراف والضلال.

إن الدعاة إلى الله وَهُم روح يسرى فى قلب هذه الأمة كما أنهم جزء من نسيجها يحيونها بالقرآن، ويسرون فيها كَنُورٍ جديد يبيد الظلام بمعرفة الله يعلوا صوتهم مناديا مردداً دعوة رسول الله عليه الصلاة والسلام فى السعى للحق دون غلو، والصبر على الأذى فى احتساب، فى حب الناس وحرص عليهم دون طمع فى أجرمن بشر.

إنهم وهم يرفعون شعار "الإسلام هو الحل" وينادون به بين الناس سبيلا وحيدا لنجاتهم وخروجهم من المآزق والأزمات إلى سعة التيسير واليسر وسكينة الطمأنينة والأمن، يدركون من خلال فهم للإسلام كما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام أن الحكومة جزء منه والحرية فريضة من فرائضه، والعدل والإنصاف والمساواة ركائز رئيسية من مجتمعه والأخوة والحب هما روابطه الأصيلة بين الذين يسعدون بالعيش فى ظلاله ويمضون على خطا من سبقهم على الطريق، إذا نزلت بهم محنة، صبروا واحتسبوا، دون أن تتوقف المسيرة أو يتوقف العطاء والبذل والتضحية.

تآمرت عليهم القوى الدولية فى عام 1948 بعد أن سجلوا على صفحات التاريخ أنماط من الجهاد ضد اليهود المستعمرين المعتدين على أرض فلسطين، وروت دماؤهم ثراها ورباها ووديابها، وجرى اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا، ثم جاءت أحداث 1954 وتعرضوا للظلم والجور والتعذيب والقتل، فصبروا ثم جاءت أحداث 1965 ولا يزالون يتعرضون للاعتقال بل ووصل الأمر إلى مستوى المحاكمات فلم يتخلوا عن صبر الدعاة، ولم يتوقفوا عن مسيرة الدعوة، بل واصلوا التبشير بها بين الناس، وهم يرفعون شعار "الإسلام هو الحل"، لأنه وحده هو الحل حقا ويقيناً.


لقد علمتنا التجارب وعرفتنا الحوادث أن داء أممنا الشرقية الإسلامية مُشَعب المناحى كثير الأغراض وقد نال من معظم مظاهر حياتها، فهى مصابة فى ناحيتها السياسية بما تركه استعمار الأعداء من آثار كالفرقة والشتات من جانب أبنائها، وفى ناحيتها الاقتصادية بانتشار الربا وتغلغل الشركات الأجنبية وتحكمها فى مواردها وخيراتها، وهى أيضا مصابة من ناحيتها الفكرية بمحاولات تحطيم المثل العليا فى نفوس أبنائها ومحاولات التشكيك فى العقيدة الإسلامية، وفى ناحيتها الاجتماعية بانحرافات فى العادات والأخلاق والتحلل من عقدة الفضائل الإنسانية التى ورثتها عن الغرِّ الميامين من أسلافنا وبالتقليد الغربى الذى يسرى فى مناحى حياتها سريان لعاب الأفاعى فيسمم دماءها ويعكر صفو هنائها.


كما أصيبت بالقوانين الوضعية التى لا تزجر مجرما ولا تؤدب معتديا ولا ترد ظالما ولا تغنى يوما من الأيام غناء القوانين السماوية التى وضعها خالق الخلق ورب الناس وبارئها، وكذلك أصيبت بفوضى فى سياسة التعليم والتربية تحول دون التوجيه الصحيح لنشئها ورجال مستقبلها وحملة أمانة النهوض بها، وفى ناحيتها النفسية بضعف ووهن وشح يكف الأيدى عن البذل وتقف حجابا دون التضحية والجهاد.


هكذا نرى تغلب الجانب المادى على الجانب الروحى ويقاس الناس بما عندهم من مال وانتشرت الأنانية وعمَّ الفقر وكثرت الجرائم من قتل واغتصاب كما نرى جور الحكام وظلم الشعوب.


فماذا يرجى من أمة اجتمعت على غزوها كل هذه العوامل بأقوى مظاهرها، هذة الأدواء كفيلة بقتل مجموعة من الأمم فكيف وقد تفشت جميعا فى كل أمة على حده؟ ولولا مناعة وحصانة وجلادة وشدة فى هذه الأمم لعفت على آثارها ولبادت من الوجود ولكن يأبى الله ذلك والمؤمنون.


فكلنا أمل وشعور ولسنا يائسين . سنصل إلى خير كثير إن شاء الله فكل ما حولنا يبشر بالأمل رغم تشاؤم المتشائمين.




مقارنة وقياس


لو نظرنا إلى ما كانت عليه الأمم العربية فى الجزيرة قبل ظهور الإسلام ثم ما أحدثه الإسلام فيها من تغيير كبير، نجد أنفسنا على يقين تاه أن "الإسلام هو الحل" لواقعنا الذى نعيشه.


فالجاهلية المستحكمة وعبادة الأصنام التى لا تضر ولا تنفع ووأد البنات وانتشار الخمر وألوان الفساد والعصبيات والحروب المستمرة ثم كيف قوبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته إلى عبادة الله وحده بكل ألوان الحرب والكيد والإيذاء والتعذيب بل والقتل، ولكن الله حفظه ورعاه ونصره فإذا بهذه الأمة المتخلفة تتحول إلى أمة تقود البشرية إلى كل خير وعزة وقوة.


لقد أتى على هذه الأمم الشرقية حين من الدهر جمدت وسكنت حتى كادت تفقد كيانها ولكنها الآن تغلى غليانا بيقظة شاملة فى كل مناحى الحياة وتضطرم اضطراما بالمشاعر الحية القوية والأحاسيس العنيفة، ولولا ثقل القيود من جهة والفوضى فى التوجيه من جهة أخرى لكلن لهذه اليقظة أروع الآثار, ولن تظل هذه القيود قيودا إلى الأبد فإنما الدهر قُلّب فيما بين طرفة عين وانتباهتها يغير اللهُ من حال إلى حال، فبعد الحيرة هدى، وبعد الفوضى استقرار، ولله الأمر من قبل ومن بعد، لهذا لسنا يائسين أبدا وآيات الله تبارك وتعالى وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تربية الأمم وانهاض الشعوب بعد أن تشرف على الفناء كل ذلك ينادينا بالأمل الواسع ويرشدنا إلى طريق النهوض.


والآيات الكريمة فى أول سورة القصص نرى فيها كيف يطغى الباطل ويعتز بقوته ويطمئن إلى جبروته ويغفل عن عين الحق التى ترقبه حتى إذا فرح بما أوتى أخذه الله أخذ عزيز مقتدر وأبت إرادة الله إلا أن تنتصر للمظلومين وتأخذ بناصية المهضومين المستضعفين فإذا الباطل منهار من أساسه وإذا الحق قائم البنيان متين الأركان وإذا أهله هم الغالبون، يقول تعالى ( طسم * تِلْكَ آياتُ الْكِتَابِ الْ مُبِينِ * نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَأِ مُوسَى وَ فِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعَاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أبْنَاءَهُمْ وَ يَسْتَحْيى نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَ نُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الأَرضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الأَرضِ وَ نُرِىَ فِرْعَوْنَ وَ هَامَان وَ جُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّ كَانُوا يَحْذَرُونَ ) (القصص: 1-6).


حضارة المتع والشهوات


حضارة المتع والشهوات التى تنشأ فى الأمم الأوروبية وحرصت تلك الأمم على غزو أقطارنا الإسلامية بهذه الحضارة المادية وكأنهم تنبهوا إلى أنها أشد تأثيرا وأدوم أثرا فى إضعاف المسلمين من الحرب الصليبية التى ارتدت على أدبارها، فقد جلبوا إلى هذه الديار نساءهم الكاسيات العاريات وخمورهم ومسارحهم ومراقصهم وملاهيهم ورواياتهم وخيالاتهم وعبثهم ومجونهم وأباحوا فيها من الجرائم ما لم يبيحوه فى ديارهم وزينوا هذه الدنيا الصاخبة العابثة التى تعج بالإثم وتطفح بالفجور فى أعين البسطاء الأغرار من المسلمين الأغنياء وذوى المكانة والسلطان.

ونجح هذا الغزو الإجتماعى المنظم، فهو غزو محبب إلى النفوس لاصق بالقلوب طويل العمر قوى الأثر وهو لهذا أخطر من الغزو السياسي والعسكرى.

لقد ظهر فى هذه الحقبة من الزمان بعض الكتاب والمفكرين الذين يدعون إلى المادية وترك الإسلام سواء كانوا مقتنعين أو مأجورين وارتفعت أصوات الدعاة إلى الفكرة الطاغية أن خلوصنا مما بقى من الإسلام وارتفعت أصوات بالماركسية الملحدة وتجرات أقلام بالهجوم على شريعة الله السمحة العادلة، ويشككون فى صلاحيتها لكل زمان ومكان، ولكن كل ما يكتبون لن يبقى له أثر فى نفوس الشعب المتدين وستكون أعمالهم وأقوالهم كرماد اشتد به الريح فى يوم عاصف.


وديننا الإسلام يدعونا إلى العلم والتقدم والرقى، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، ولا ننسى أن الذين وضعوا أصول العلوم الحديثة هم المسلمون، ولكن الإسلام يأبى أن نتشبه فى كل شىء بمن ليسوا من دين الله على شىء، ولا يجوز أن تُطرح عقائد الإسلام وفرائضه وحدوده وأحكامه لنجرى وراء قوم فتنتهم الدنيا واستهوتهم الشياطين، نحن نثق كل الثقة فى ديننا وأنه وحده هو الطريق للصلاح والإصلاح ولتحقيق خيرى الدنيا والآخرة فـ"الإسلام هو الحل".




 واجب التصدى لهذه الموجة المادية


هكذا صار واجبا على المسلمين جميعا أن يتصدوا لهذه الموجة الطاغية من مدنية المادة وحضارة المتع والشهوات وأن يعملوا على حسرها عن أرضنا، وتلبية لهذا الواجب وبعد سقوط الدولة والخلافة العثمانية.. حركت هذه المشاعر الإمام الشهيد حسن البنا وجعلته يفكر ويستشير العلماء والزعماء المسلمين حول سبيل الإنقاذ من هذه الحالة المتردية، ومن منطلق ثقته القوية بالله وتأييده لعباده المؤمنين وثقته بقوة الإسلام الذاتية وتأثيره القوى فى إحياء النفوس وتوليده العزة والقوة فى أبنائه قام وأنشأ جماعة الإخوان المسلمين بعد سقوط الخلافة وحدد لها هدفين أساسيين:


الأول: أن يتحرر الوطن الإسلامى من كل سلطان أجنبى وذلك حق طبيعى لكل إنسان لا ينكره إلا ظالم جائر أو مستبد قاهر.


الثانى: أن تقوم فى هذا الوطن الإسلامى الحر دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام وتطبق نظامه الإجتماعى وتعلن مبادئه القوية وتُبَلغ دعوته الحكيمة للناس وما لم تقم هذه الدول بثقة المؤمن وبكل العزة والعزم الصادق يتحدى هذه الموجة من مدنية المادة وحضارة المتع والشهوات التى فعلت فعلها فى مجتمعاتها وتركت بصماتها السيئة .




 ما مهمتنا إذن نحن الإخوان المسلمين؟


هى أن نقف فى وجه هذه الموجة الطاغية من مدنية المادة التى جرفت الشعوب الإسلامية وأبعدتها عن زعامة النبى صلى الله عليه وسلم وهداية القرآن وحرمت العالم من أنوار هديها وأخّرت تقدمه مئات السنين حتى تنحسر عن أرضنا ويبرأ من بلائها قومنا، ولسنا واقفين عند هذا الحد بل سنلاحقها فى أرضها ونغزوها فى عقر دارها حتى يهتف العالم كله باسم النبى صلى الله عليه وسلم وتوقن الدنيا كلها بتعاليم القرآن وينتشر ظل الإسلام الوارف على الأرض وحينئذ يتحقق للمسلم ما ينشد فلا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ( للهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَ مِن بَعْدُ وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بَنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَّشَاءُ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) ( الروم: 4-5).






والحمد لله رب العالمين