الخميس، 6 مايو 2010

منهج التزييف عند اليهود






منذ بدأ عهد الرسالة وبعث نبيا محمد صلى الله عليه وسلم  أوقع اليهود بتاريخ الأمة المسلمة الكثير من التشويه والتزييف ، واستمر هذا التزييف إلى أن اغتُصبت ارض المسلمين في فلسطين ، فأكملوا رسالتهم في تزييف التاريخ لطمس جريمتهم ، لكي يبدوا أمام العالم وكأنهم لم يأخذوا إلا حقا لهم ، ولم يغتصبوا أملاك غيرهم.



وجهود اليهود ما زالت تتظافر للوصول إلى الغاية المنشودة عندهم، وهي: التدليل على المكانة الهامشية التي تحتلها مدينة القدس وبيت المقدس في الشريعة الإسلامية، ومقابل ذلك السعي لإثبات أهميتها ومكانتها المركزية في التصورات اليهودية!!


رادفه جهد كبير يبذله مستشرقون يهود وآخرون غربيون يشايعونهم، بغرض إظهار أن لا مكانة مميزة لبيت المقدس في صدر الإسلام!! ولم يكن ذا أهمية شرعية أو حضارية للمسلمين الأوائل، وأن فتح بيت المقدس كان طارئاً؛ ولم يكن مقصودا لذاته!! والاستدلال على ذلك بمرويات واهية وساذجة لا يُعتد بها!



فلا تكاد تجد بحثاً وكتاباً، أو تحقيقاً وإصداراً للباحثين اليهود إلا ويؤكد: أن قدسية مدينة القدس يشوبها الكثير من الشكوك، فلم يكتف اليهود بسلب القدس واحتلال أرض فلسطين بالقوة والسلاح، بل ما زالت محاولات اليهود مستمرة لسلب القدس من أصحابها الشرعيين تراثاً وتاريخاً؛ عبر كتاباتهم ودراساتهم ونشراتهم، والتي حاولوا أن يتصنعوا فيها المنهج العلمي والسمة الموضوعية فيما يزعمون.



وهم في الحقيقة ضربوا بعرض الحائط كل قواعد البحث العلمي، وصاغوا تاريخ القدس بأسلوب خبيث أدخلوا فيه الكثير من الطعن والدَّسِ ليخلصوا في النهاية بأن القدس ليست مقدسة في الشرع الإسلامي، وأن المسجد الأقصى لا إجماع بين المسلمين على فضله!!


وليس ذلك بمستغرب ، فالكذب من أبرز صفاتهم التي لا تنفكُّ عنهم ماداموا هم يهود ، فقد كذبوا على الله ،قال تعالى : " ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون" ، وعملوا على خداع أهل الإيمان ، قال تعالى : " يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون "، وبدى منهم الغيظ والحقد ، قال تعالى : "قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر "


فادعاء الباطل واستخدام أدواته صنعة يجيدها اليهود ، هذا ما أخبرنا به الباري عز وجل ، قال تعالى " وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً " ؛ ووصل بهم التحريف والتزييف بأنهم حرفوا كتاب الله التوراة ، قال تعالى " من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه " ، ولم يكتفوا بالتحريف والتأويل وزادوا عليه الكذب والافتراء ، قال تعالى " ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأُميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون"






كما عادوا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، رُوي بالسند إلى صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها قالت: " سمعتُ عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: "أهو هو؟" - وذلك بعد أن ذهبا إليه وجلسا إليه وسمعنا منه- قال: نعم والله، قال أتعرفه وتثبته؟ قال نعم، قال: فما في نفسك منه ؟ قال: عداوته والله ما بَقيتُ"






وبالفعل مع معرفتهم أنه رسول من عند الله تعالى كان حيي وأخوة عدوين لله ورسوله مدة حياتهما، بل كانا من أشد اليهود عدواة وحقداً، وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام ، وذلك مصداق لقوله تعالى : " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا "

وعملوا على طمس الحقائق وتحريفها ، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال :" إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة  في شأن الرجم ؟ فقالوا نفضحهم ويجلدون . قال عبد الله بن سلام : كذبتم إن فيها الرجم ، فأتوا بالتوراة ، فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم ، فقرأ ما قبلها وما بعدها ، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك ، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم ، قالوا صدق يا محمد ، فيها آية الرجم ، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فَرُجماً "

 وأظهروا عداءهم للمؤمنين في قصتهم مع إسلام عبد الله بن سلام ؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لليهود - : أي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعلمنا، وابن أعلمنا، وأخيرنا، وابن أخيرنا، فقال رسول الله r: أفرأيتم إن أسلم عبد الله؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك، قال: فخرج عبد الله إليهم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فقالوا: شرنا، وابن شرنا، ووقعوا فيه قال – يعني ابن سلام- هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله "

وقد لخص ابن القيم الجوزية - رحمه الله - ما وصفهم به الله تعالى في كتابه ، أوصاف لازمتهم بقوله : "فالأمة الغضبية هم : " اليهود " أهل الكذب والبهت  والغدر والمكر والحيل ، قتلة الأنبياء وأكلة السحت – وهو الربا والرشا – أخبث الامم طوية ، وأرداهم سجية ، وأبعدهم من الرحمة ، وأقربهم من النقمة ، عادتهم البغضاء ، وديدنهم  العدواة والشحناء ، بيت السحر والكذب والحيل ، لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم من الأنبياء حرمة ، ولا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذمَّة ، ولا لمن وافقهم عندهم حق ولا شفقة ، ولا لمن شاركهم عندهم عدل ولا نصفه ، ولا لمن خالطهم طمأنينة ولا أمنة ، ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة ، بل أخبثهم أعقلهم ، وأحذقهم أغشهم ، وسليم الناصية – وحاشاه أن يوجد بينهم – ليس بيهودي على الحقيقة ... أضيق الخلق صدوراً ، وأظلمهم بيوتاً ، وأنتنهم أفنية ، وأوحشهم سجية ، تحيتهم لعنة ، ولقاؤهم طيرة ، شعارهم الغضب ، دثارهم المقت"



وهكذا فالكذب وإطلاق الشائعات والخداع من أساليب اليهود المتأصلة في نفوسهم التي لا تنفك عنهم مهما طال الزمان وتعاقبت العصور ، فهذه جِبلتهم ، وقد وجدوا في الكذب وإطلاق الشائعات والشبهات الوسيلة المثلى التي تنسجم مع طبائع نفوسهم وتساير أفكارهم الماكرة ، وتحقق أطماعهم ، وتبرر ممارساتهم ؛ "قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر "




التبديل والتحريف صنعة يهود :


سلك اليهود مسلكين رئيسين في تزييف الحقائق التاريخية ، الأول هو قلب الحقائق بمزاعم أشاعوها لمقاصد محددة وأهداف موضوعة ؛ وعمدوا كذلك إلى مسلك ثانٍ وهو في غاية الخطورة ، ولا يقل أثراً عن التزييف والتحريف ، ألا وهو السكوت عن الحقائق التاريخية أو إغفالها وكأنها غير موجودة ، وتجاوزها بقصد الطمس والتغافل ، فأحداث تاريخية ووقائع ثابتة لا تذكر ، على أمل لديهم أن يؤدي ذلك إلى نسيانها .


والتزييف الأكبر الذي اقترفته اليهود هو عبثهم في التوراة التي حرفتها أيديهم ، فالتوراة لم تسجل إلا بعد موت موسى – عليه السلام – بحوالي ثمانمائة سنة أو يزيد ، فظلت تتناقل شفاها طيلة هذه المدة ، وتتعرض خلالها لا للتنقيح والتهذيب ، ولكن للحذف والإضافة  ؛ حسب هوى ومقاصد كهان اليهود ،


وطفحت بذلك التوراة المزعومة – لأن التوراة قبل التحريف تكاد تكون قد اختفت من كتب اليهود – بقصص وتاريخ زاخر بالتخريف والأساطير والأباطيل .



وقد كانت التوراة موجودة بتمامها إلى عصر زكريا ويحيى وعيسى ابن مريم عليهما السلام  , وبعد هذا العصر شرع بنو إسرائيل في إخفاء بعض التوراة وتأويلها, وتحريفها, وتبديلها,وتغييرها, قال تعالى : " وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتب تحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون" [آل عمران:78]



قال ابن كثير: " أخبر الله تعالى أنهم يفسرونها ويتأولونها, ويضعونها على غير مواضعها, وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء, وهو أنهم يتصرفون في معانيها, ويحملونها على غير المراد, كما بدلوا حكم الرجم بالجلد والتحميم, مع بقاء لفظ الرجم فيها, وكما أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه, وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد, مع أنهم مأمورون بإقامة الحد والقطع على الشريف والوضيع"


ومن درس التوراة وجد فيها طامات وأكاذيب لا يمكن أن تكون منزلة من عند الله, ووجد فيها نصوصا صحيحة أخبر قرأننا بصحتها, وقد نقل ابن كثير عن شيخه ابن تيمية أنه قال بهذا القول, ورجحه, وفي ذلك يقول: " وذهب آخرون من العلماء إلى التوسط في هذين القولين منهم شيخنا الأمام العلامة أبو العباس ابن تيمية رحمة الله تعالى, فقال: أما من ذهب إلى أنها كلها مبدلة من أولها إلى آخرها, ولم يبق منها حرف إلا بدلوه, فهذا بعيد, وكذا من قال لم يبدل شيء منها بالكلية بعيد أيضا, والحق أنه دخلها تبديل وتغيير, وتصرفوا في بعض ألفاظها بالزيادة والنقص, كما تصرفوا في معانيها, وهذا معلوم عند التأمل" [البداية والنهاية:2/149]



وإذا كان بعض التوراة صحيحاً وبعضها محرفاً , فما دلنا القرآن أو صحيح الأحاديث على صحته أخذنا به وقلناه , وما دلتنا على كذبه وبطلانه رددناه, وما ليس فيه بيان, وليس فيه ما يكذبه القرآن والحديث فلا نصدقه ولا نكذبه وقد استخدم سادة اليهود سلاح الكذب والتزوير في تحويل التوراة المحرفة والتلمود الخرافي إلى كتاب في الجغرافيا والتاريخ والسياسة لخداع الرأي العام العالمي وتسخيره لتحقيق أطماعهم ومخططاتهم ، فما تركوا بقعة في فلسطين من جبل ولا نهر ولا حجر ولا سهل ولا وادٍ إلا زعموا أن الرب ذكره في كتبهم المحرفة فزعموا له اسماً غير اسمه، وأطلقوا مصطلحاً لم يكن يعرف به ، ويدعون أنها مقدسة بين ليلة وضحاها ، وذلك ليوهموا العالم أن تلك الأماكن وتلك المسميات لها دلالات دينية في التوراة المحرفة

وأكسبوا تلك المزاعم صبغة القداسة لأنها استمدت حسب زعمهم من كتبهم المقدسة ، واجتمع بذلك التزييف مع الغي والجهل ، وادعوا بذلك أن إبراهيم كان يهودياً ؛ والله تعالى يقول : " مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " ، آل عمران:67 .

وقالوا أن اسحق ويعقوب كانوا يهوداً ؛ والباري عز وجل يخبر الناس جميعاً أنهم كانوا مسلمين ، وهذا من دعاءهم لله : " ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك " ، وأولى الناس بإبراهيم هم المؤمنون من أتباعه ومحمد وأمته قال تعالى : " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبيُّ والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " ( آل عمران : 68 ) .






وهل يقول عاقل أن إبراهيم كان يهودياً – ألا وقالوها - وقد أنزلت التوراة والإنجيل من بعده ؟! وهل يتبع المتقدم المتأخر ؟! قال تعالى : " يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون (آل عمران : 65 ) .






وأمانيهم الباطلة التي تمنوها على الله عز وجل أضحت عندهم حقائق وثوابت ، مثل ما أخبرنا الله عن قولهم : " لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى" سورة البقرة ، آية 111 ، وقولهم : " لن تمسنا النار إلا أياما معدودة البقرة "  آية 80 ، وقولهم " نحن أبناء الله وأحباؤه " المائدة ، آية 18 ، فهم تمنوا أشياء لن تحصل لهم ، ومع ذلك صدقوا ما تمنوا !!






وهذا ليس غريباً على الأخلاق اليهودية الواضحة الجلية للعالم أجمع ، فتلبيس الحقائق ، وتحريف الدين ، وتزييف التاريخ خُلُقٌ متأصل في نفوس اليهود واتباعهم ، قال تعالى : " فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون"

 قال البغوي في تفسيره : وذلك أن أحبار اليهود خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، فاحتالوا في تعويق اليهود عن الإيمان به فعمدوا إلى صفته في التوراة ، وكانت صفته فيها : حسن الوجه ، حسن الشعر ، أكحل العينين ، ربعة ، فغيروها وكتبوا مكانها طوال أزرق سبط الشعر ، فإذا سألهم سفلتهم عن صفته قرءوا ما كتبوا فيجدونه مخالفا لصفته فيكذبونه وينكرونه .






ومن تلك الأباطيل ما وصف به أنبياء الله تعالى في ما أسموه التوراة – التي حرفتها أيديهم - وما نسبوا إليهم ما لا يليق بهم من المعاصي والذنوب ، سواء كانت من الكبائر ، أو من رذائل الأعمال والأوصاف . ومن صفات الأنبياء عندهم : الكذب ، و شرب الخمر ، و الزنا ، و عبادة الأوثان ، و البله والبخل وعدم الفطانة ، وغير ذلك مما لا يجوز عليهم ، ولم تكتف التوراة بذلك ، بل جعلت منهم أبطالاً للجريمة ، وقادة للمعصية ، والغريب أنه لم يسلم نبي من أنبياء الله من طعنهم وتجريحهم !.


 
 
عيسى القدومي
 
مركز بيت المقدس للدراسات الوثائقية


ليست هناك تعليقات: